حمام وكيل
مرّةً أخرى معكم في مدينة شيراز جوهرة ايران السياحية الساحرة؛ لكي نقدّم اليكم "حمام وكيل" أحد أكثر معالمها إلتفاتاً لانظار السيّاح و نموذجاً رائعاً من روعة العمارة و جمال الثقافة، الواقع في قلب المدينة محتلّاً لموقعٍ مثاليٍّ و جاهزاً لإثارة إعجابكم حيث يُعدّ جزءاً لا مثيل له من مجموعة زنديه التاريخية و السياحيّة، بجوار مسجد وكيل و سوق وكيل و على مقربة من بقية الصروح المتوفّرة في هذه المجموعة التي تمّ تشييدها طوال الحكم الزندي بأمرٍ من الملك كريم خان الزند الملقّب ب"وكيل الرعايا"، أمر الملك بتشييد هذه الصروح زيادةً من راحة اهالي المدينة و تذكاراً فاخراً لحكمه بحيث قد تحوّلت اليوم الى معالم فخمة تفتخر بها شيراز ليس فقط بين مثيلاتها في ايران بل في العالم كلّه.
يلفت حمام وكيل أنظاركم بأجمل الانماط المعمارية و أحدث التقنيات الهندسية و أروع أنظمة التدفئة التي كانت تُستخدم لصناعة الحمامات في ذلك الوقت بحيث تعترفون بها بأنفسكم فور دخولكم في المدخل، مدخلٌ تمّ بناءه صغيراً و يقضي منحدراً خفيفاً حتى ينتهي الى دهليزٍ جميلٍ بُني تحت مستوى الارض، فضلاً عن القاعة المختصّة بخلع الملابس التي ترونها مبنيّةً ذات زوايا و كلٌّ من هذه الملاحظات المعمارية الرائعة كانت من أجل المحافظة على الحرارة المتوفّرة في الحمام مثلما تعمل كحيلولةٍ دون إختراق البرودة.
أهمّ اقسام الحمام و أكثرها تميّزاً هي قاعةٌ تُدعى "سربينه" أي المكان الخاصّ بخلع الملابس؛ قاعةٌ تعتبر في الوافع متحفاً ثميناً يعرض لسائحيها مجموعةً لا نظير لها من الزخارف المعمارية و النماذج الثقافية و ينتابكم شعورٌ جميلٌ عندما تدخلونها، قاعةٌ منتظمةٌ لها ثمانية أضلاع و تحتوي على سقفٍ مقبّبٍ تمّ تشييده قائماً على ثمانية أعمدةٍ حجريّةٍ مهيبةٍ، و هذه الاعمدة تسحر عيونكم حقّاً بزخارفها المتشكّلة من النقوش الخرسانيّة المذهلة و أعمال التجصيص الجميلة للغاية.
تتكوّن قاعة سربينه من المنصّات العديدة التي تجعلكم تتخيّلون بأنّكم الآن في أيامٍ كانت شيراز تحت رعاية الحكم الزندي و ذلك بفضل اجواءٍ أكثر من الرائعة تمّ عرضها هنا مثيرةً لإعجابكم مشتملةً على تماثيل الشمع التي تظنّونها حيّةً في الوهلة الأولى و هم يقومون بالتقاليد و المراسيم المختصّة بأهالي شيراز عند الإستحمام بالإضافة الى اصواتٍ تتمّ بثّها دالّةً على الحوار بين الاشخاص المتواجدين في الحمام لتزيد من روعة المكان و تجعله أكثر حيّةً.
لم تكن هذه المنصّات خاصّةً بالنظافة و الإستحمام و إزالة الأوساخ من الجسم أو التمتّع بخدمات التدليك التقليدي فحسب بل كانت تتمّ فيها أغراضٌ أخرى أيضاً مثلما ترون التماثيل تقوم بها من الجلوس مشتغلاً بشرب الشاي أو أخذ الأرجيلة أو المناقشة الوديّة أو إجراء إحتفالات سارّة لاسيّما إحتفال الزفاف و زينة العروس بالتزئينات الشعبية مثل حنا.
زيادةً من إستمتاعكم يمكنكم الذهاب الى القاعة التالية المسمّاة ب"گرمخانه" أي الحمام الدافئ؛ من الاقسام الجميلة الموجودة في هذه القاعة هي منصّتان كانت تتمّ بناءهما على جانبي القاعة مختصّتين للملك أو رجال الدولة فضلاً عن حوض ماءٍ رخاميٍّ متوفّرٍ وسط المنصّة، و الميّزة الأخرى هو نظامها الخاص بالتدفئة بحيث أنّ أرضية القاعة تُغطّى من الحجر و لكن من المثير لإنتباهكم هي الممرّات الضيّقة التي قد تمّ بناءها تحت الاحجار لكي يتدفّق منها الهواء الدافئ و بخار الماء و يؤدّي ذلك الى التسريع في تدفئة الأرضية، الملاحظة الهامّة التي تعكس للسائح مثالاً آخر من التقنيات المدهشة المستخدمة في الحمام.
تكملةً لمتعتكم نقدّم اليكم القاعة الأخيرة لحمام وكيل و هي قاعةٌ يطلق عليها اسم "خزينة" أي الخزّان على اساس تصميمه الخاصّ، كان يوجد في هذه القاعة قدران كبيران لإنجاز عمليّة تسخين المياه للحمام، و على جانبي هذه القاعة ايضاً ستشاهدون منصّتين مختصّتين لجلوس الملك و كبار الشخصيّات أو إستحمامهم.
حمام وكيل؛ نستطيع أن نعدّه بكامل الثقة صرحاً تراثياً يستحقّ قضاء الوقت إذن نوصيكم به بشدّة مثلما يوصيكم به كلّ سائحٍ قد قام بزيارة شيراز كخطوةٍ تمهيديّةٍ لطيفةٍ تكتمل مع زيارة مسجد وكيل و سوق وكيل و غيرها من آثارٍ تاريخيّةٍ تركها لنا الحكم الزندي فضلاً عن تبديله الى متحفٍ يجذب انظار ناظريه بأيّ ذوقٍ كان لاسيّما الباحثين منهم عن المباني القديمة التي تمثّل الثقافة الايرانية الغنية و عمارتها العريقة الإبداعية.